ما حكم تقصد قص الشعر واستعمال الحناء والكحل في يوم عاشوراء؟

السؤال: 586621

هناك من النساء من تحرص على قص شعرها كل عام يوم عاشوراء، ظنا منهن إن الشعر بذلك سيطول، ويصبح أكثر صحة وقوة، كذلك استعمال الحناء، وإعداد وليمة مخصوصة لهذا اليوم، فما حكم ذلك؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

لا يستحب للمرأة قص شعرها في عاشوراء، ولا أصل لما يقال: إنه يؤدي إلى طول الشعر، بل ذلك من الخرافات والأوهام، ومن فعل ذلك تقربا إلى الله فقد أحدث وابتدع.

واعتقاد أن قص الشعر في عاشوراء سبب في طول الشعر، نوع من الشرك الأصغر؛ لأن من اعتقد فيما ليس سببا أنه سبب، فقد أشرك.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولبس الحلقة ونحوها: إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية؛ لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره.

وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر؛ لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسببٍ سبباً، فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.

وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل فيه شفاء للناس [النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء: 82].

وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض.

ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً، مباشراً؛ كما لو اكتوى بالنار، فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بيّن" انتهى من "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (1/ 165).

والمرأة لا يطلب منها الأخذ من شعرها إلا في الحج والعمرة، ويباح لها أن تقصر شعرها للتزين أو التخفف من مؤنة الشعر ولتسهيل تسريحه، إذا لم يكن على وجه التشبه بالرجال أو الكافرات.

وقد روى مسلم (320) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، قَالَ: "وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ، حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ".

والوفرة: ما كان إلى الأذنين لم يجاوزهما، وتليها الجمة إلى الكتفين، ثم اللمة وهي ما ألمّ بالكتفين.

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: " وفيه دليل على جواز تخفيف الشعور للنساء" انتهى.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " قص شعر المرأة لا نعلم فيه شيئاً ، المنهي عنه الحلق ، فليس لك أن تحلقي شعر رأسك. لكن أن تقصي من طوله أو من كثرته فلا نعلم فيه بأساً ، لكن ينبغي أن يكون ذلك على الطريقة الحسنة التي ترضينها أنت وزوجك ، بحيث تَتَّفِقِين معه عليها من غير أن يكون في القص تشبُّه بامرأة كافرة ، ولأن في بقائه طويلاً فيه كلفة بالغسل والمشط ، فإذا كان كثيراً وقصَّت منه المرأة بعض الشيء، لطوله أو كثرته فلا يضرُّ ذلك. أو لأن في قصِّ بعضه جمالاً ترضاه هي، ويرضاه زوجها فلا نعلم فيه شيئاً.

أما حلقه بالكلية فلا يجوز إلا من علة ومرض، وبالله التوفيق " انتهى من " فتاوى المرأة المسلمة " (2/515).

ثانيا:

لا يشرع الاكتحال والتزين وإعداد الولائم في عاشوراء، ولا غير ذلك من شعائر الفرح، كما لا يشرع فيه شيء من شعائر الحزن.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، في يوم عاشوراء: شيئا من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر السرور والفرح، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى من الغرق فنحن نصومه فقال: نحن أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه، وكانت قريش أيضا تعظمه في الجاهلية...

وأما سائر الأمور: مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة، إما حبوب وإما غير حبوب، أو في تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة، كصلاة مختصة به، أو قصد الذبح، أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال أو الاختضاب أو الاغتسال، أو التصافح أو التزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد، ونحو ذلك= فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، لا مالك ولا الثوري ولا الليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي ولا الشافعي ولا أحمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهويه، ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين.

وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك، ويروون في ذلك أحاديث وآثارا ويقولون: "إن بعض ذلك صحيح"؛ فهم مخطئون غالطون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور.

وقد قال حرب الكرماني في مسائله: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: من وسع على أهله يوم عاشوراء: فلم يره شيئا.

وأعلى ما عندهم أثر يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. قال سفيان بن عيينة: جربناه منذ ستين عاما فوجدناه صحيحا.

وإبراهيم بن محمد: كان من أهل الكوفة ولم يذكر ممن سمع هذا، ولا عمن بلغه، فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون عليا وأصحابه، ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب، مقابلة الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة.

وأما قول ابن عيينة، فإنه لا حجة فيه؛ فإن الله سبحانه أنعم عليه برزقه، وليس في إنعام الله بذلك ما يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء، وقد وسع الله على من هم أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار، ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه.

وهذا كما أن كثيرا من الناس ينذرون نذرا لحاجة يطلبها، فيقضي الله حاجته، فيظن أن النذر كان السبب، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل. فمن ظن أن حاجته إنما قضيت بالنذر، فقد كذب على الله ورسوله" انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/310- 314).

والحاصل:

أنه لا يجوز قص الشعر في يوم عاشوراء، اعتقادا أن ذلك سبب في طوله، ولا يجوز التعبد بشيء من شعائر الفرح أو شعائر الحزن في هذا اليوم.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android