أولا:
التسمي باسم محمد جائز؛ لما روى البخاري (3538)، ومسلم (2133) - واللفظ له - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: " وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ لَهُ قَوْمُهُ : لَا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقَ بِابْنِهِ حَامِلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ، وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ لِي قَوْمِي: لَا نَدَعُكَ تُسَمِّي بِاسْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي ، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ).
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/436): " مذهبنا، ومذهب الجمهور: جواز التسمية بأسماء الأنبياء، والملائكة، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم ينقل فيه خلاف إلا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه نهى عن التسمية بأسماء الأنبياء. وعن الحرد بن مَسْكَن أنه كره التسمية بأسماء الملائكة. وعن مالك كراهة التسمية بجبريل وياسين.
* دليلنا: تسمية النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، وسمى خلائق من أصحابه بأسماء الأنبياء، في حياته وبعده، مع الأحاديث التي ذكرناها، ولم يثبت نهي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكره" انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله: " واختُلف في كراهة التسمي بأسماء الأنبياء، على قولين:
أحدهما: أنه لا يكره، وهذا قول الأكثرين وهو الصواب.
والثاني: يكره. قال أبو بكر ابن أبي شيبة في باب ما يكره من الأسماء: حدثنا الفضل بن دكين عن أبي جلدة عن أبي العالية: تفعلون شرا من ذلك؛ تسمون أولادكم أسماء الأنبياء ثم تلعنونهم. وأصرح من ذلك: ما حكاه أبو القاسم السهيلي في الروض فقال: وكان من مذهب عمر بن الخطاب كراهة التسمي بأسماء الأنبياء.
قلت: وصاحب هذا القول قصد صيانة أسمائهم عن الابتذال، وما يعرض لها من سوء الخطاب عند الغضب وغيره" انتهى من "تحفة المودود"، ص127
وعلى هذا فمن نذر تسمية ابنه محمدا، فقد نذر مباحا.
ثانيا:
اختلف الفقهاء في نذر المباح هل ينعقد أو لا، وإذا انعقد هل تلزم فيه كفارة أولا؟
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (8/458): إذا نذر مباحا، كلبس وركوب لم ينعقد عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وداود والجمهور.
وقال أحمد: ينعقد، ويلزمه كفارة يمين" انتهى.
والحنابلة يرون أنه يُخير بين الوفاء، وبين كفارة اليمين.
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (6/ 275): "(الثالث: نذر المباح، كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي: فيخير بين فعله، وكفارة يمين)، لحديث ابن عباس: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل؛ نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل، ولا يقعد ولا يتكلم، وأن يصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه البخاري.
فإن أوفى به: أجزأه؛ لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال: أوفِ بنذرك رواه أبو داود بمعناه وأحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة. و(كما لو حلف ليفعلنه) أي المباح، (فلم يفعل): فإنه يُكَفِّر" انتهى.
ومذهب جمهور أهل العلم: إلى أن نذر المباح لا ينعقد أصلا، واستدلوا بحديث ابن عبَّاس قال:
"بيْنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يَخطب، إذْ هو برجُل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذَر أن يقوم في الشَّمس ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلَّم، وأن يصوم، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (مُروه فليتكلَّم، وليستظلَّ، وليقعُدْ، ولْيتمَّ صومَه) رواه البخاري (6326).
وقال شمس الدين ابن قدامة رحمه الله: "نذر المباح كقوله: لله عليّ أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي، فهذا كاليمين؛ يتخير بين فعله، وبين كفارة يمين؛ لما روي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوف بنذرك " رواه أبو داود، ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله، فكذلك إذا نذره لأن النذر كاليمين، وإن شاء تركه وعليه كفارة يمين كما لو حلف ليفعلنه فلم يفعل.
ويتخرج: أن لا كفارة فيه؛ فإن أصحابنا قالوا: من نذر أن يعتكف في مسجد معين، أو يصلي فيه: كان له أن يصلي ويعتكف في غيره، ولا كفارة عليه. ومن نذر أن يتصدق بماله كله أجزأته الصدقة بثلثه، بلا كفارة، وهذا مثله.
وقال مالك والشافعي: لا ينعقد نذره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله " وروى ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " مروه فليجلس ويستظل وليتكلم وليتم صومه " رواه البخاري.
وعن أنس قال: نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسئل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " إن الله لغني عن مشيها؛ مروها فلتركب "، قال الترمذي هذا حديث صحيح، ولم يأمر بكفارة.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يهادَى بين اثنين، فسأل عنه، فقالوا: نذر أن يحج ماشياً، فقال " إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه؛ مروه فليركب " متفق عليه، ولم يأمره بكفارة؛ ولأنه نذر غير موجِبٍ لفعلِ ما نذره؛ فلم يوجِب كفارةً، كنذر المستحيل.
ولنا: ما تقدم في قسم نذر اللجاج، والغضب.
فأما حديث التي نذرت المشي، فقد أمر فيه بالكفارة في حديث آخر، فروى عقبة بن عامر أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " مروها فلتركب، ولتكفر عن يمينها" أخرجه أبو داود. وهذه زيادة يجب الأخذ بها. ويجوز أن يكون الراوي للحديث روى البعض وترك البعض، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذكر الكفارة في بعض الحديث، إحالة على ما علم من حديثه في موضع آخر. " انتهى من "الشرح الكبير" (11/ 334).
وروى أحمد (2827) عن ابن عباس، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تحج ماشية؟ قال: (إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا، لتخرج راكبة، ولتكفر عن يمينها) وحسنه شعيب الأرنؤوط في "تحقيق المسند".
والقول بالكفارة هو مذهب أكثر السلف، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النزاع في نذر المباح: هل يلزم فيه كفارة إذا تركه، كالنزاع في نذر المعصية، وأوكد.
وظاهر مذهب أحمد: لزوم الكفارة في الجميع، وكذلك مذهب أكثر السلف، وهو قول أبي حنيفة وغيره، لكن قيل عنه: إذا قصد بالنذر اليمين " انتهى من " نقد مراتب الإجماع " (ص301) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله " لو قال قائل: لله علي نذر أن ألبس هذا الثوب، وعينه؛ فهل يجب عليه أن يوفي به، أم لا ؟
قلنا: لا يجب أن يوفى به ، لأن نذر المباح حكمه حكم اليمين، فإن شاء لبس الثوب ولا شيء عليه، وإن شاء لم يلبسه ، ووجب عليه أن يكفر كفارة يمين ، وهي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة .
وقد سبق لنا التحذير من النذر" انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ 50).
وينظر جواب السؤال (246843)
ثالثا:
ما دام الرجل قد أوفى بنذره، وسمى بنيه بذلك، فلا شيء عليه.
فإن كان يترتب على اتحاد الاسم مفاسد في الإرث أو في النكاح، أو مشكلات في المعاملات الرسمية: فينبغي تغيير الاسم أو تقييده.
وإذا حصل التغيير ممن نذر ذلك؛ فالأحوط له أن يكفر عن نذره.
وإن حصل التغيير من غيره -كأن يغير صاحب الاسم اسمه -: فلا شيء عليه.
والله أعلم.