أولا:
من نذر نذرا لا يطيقه: فكفارته كفارة يمين؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ رواه أبو داود (3322).
قال الحافظ في "الفتح": "رواه ثقات، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا وهو أشبه".
قال ابن قدامة في "المغني" (10/ 72): "وجملته أن من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرا عليها فعجز عنها، فعليه كفارة يمين" انتهى.
ومعنى: "لا يطيقه" أي عجز عنه عجزًا كاملا.
قال ابن رسلان رحمه الله في "شرح أبي داود" (13/ 719): "(ومن نذر نذرًا لا يطيقه) أي: من نذر طاعة لله لا يطيقها، كنذر الشيخ الذي لا يطيق الصيام الصوم، أو كان قادرًا عليه فعجز عنه" انتهى.
وقال في "عون المعبود" (9/ 123): "(ومن نذر نذرا لا يطيقه) كحمل جبل، أو رفع حمل، أو المشي إلى بيت الله ونحوه" انتهى.
وقد روى أبو داود (3303) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، وَأَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِكَ، فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً وصححه أبو داود.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في "الفتاوى" (12/ 244): "أما العاجز عن الوفاء بما نذره، عجزاً لا يرجى زواله: فعليه كفارة يمين، لا غير؛ لما روى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه قال: " نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني استفتي لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته. فقال: لتمشي وتركب" وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً يطيقه، فليف لله بما نذر" انتهى.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " كنت في موقف صعب في آخر السنة في الجامعة بالنسبة للنجاح والرسوب، فنذرت إذا نجحت، بأن أصوم كل يوم خميس دائمًا، فنجحت والحمد لله وصمت عدة سنوات، ولكنني لم أستطع الاستمرار، لعدة أسباب وظروف: ومنها المرض، هل من حل وهل يوجد كفارة، علمًا بأنني لا أستطيع الاستمرار على ذلك مستقبلاً؟
فأجاب: الواجب عليك أن تستمر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه هكذا قال صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري في الصحيح، من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه. رواه البخاري في الصحيح.
المقصود: أن عليك الوفاء بالنذر. فإذا عجزت عجزًا كاملاً، لا تستطيع صيام النذر، ولا صيام رمضان، عليك كفارة يمين عن النذر المعجوز عنه، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: من نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين.
أما ما دمت تطيق رمضان، عليك أن تصوم الخميس الذي نذرت، والله يقول جل وعلا: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، ويقول جل وعلا: يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، فمن نذر أن يطيع الله فعليه أن يطيعه وأن يوفي بالنذر، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصِ" انتهى من "فتاوى ابن باز" (16/ 404).
فمن نذر الصوم، ولم يطقه، أي عجز عنه عجزا كاملاً، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، بحيث لا يستطيع صوم رمضان ولا غيره، فإنه يكفر كفارة يمين.
وقد فُسرت الإطاقة بنحو هذا في قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/184
قال في "كشاف القناع" (2/ 309): "(ومن عجز عن الصوم لكبر)، وهو الهَرِم والهَرِمة (أو مرض لا يرجى برؤه: أفطر) أي: له ذلك إجماعا، (لعدم وجوبه) أي الصوم (عليه)؛ لأنه عاجز عنه فلا يكلف به؛ لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة: 286] .
(وأطعم عن كل يوم مسكينا ما يجزئ في كفارة)، مدا من بر، أو نصف صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو أقط، لقول ابن عباس في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية [البقرة: 184] ليست بمنسوخة: في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان الصوم؛ فيطعمان مكان كل يوم مسكينا رواه البخاري" انتهى.
ثانيا:
ينبغي أن يعلم أن نذر الصوم له صورتان:
1-أن يكون نذر لَجاج، وهو النذر ليمنع نفسه من شيء، أو يحثها على شيء، فهذا له حكم اليمين، فلو نذر إن فعل معصية كذا صام عشرة أيام مثلا، وفعل المعصية، كان مخيرا بين الوفاء بالنذر وبين كفارة يمين.
2-أن يكون نذر تبرر، معلقا أو منجزا. والمعلق كقوله: إن شفى الله مريضي صمت أسبوعا. والمنجّز كقوله: لله عليّ صوم كذا.
وهذا النذر يجب الوفاء به، ولا تجزئ فيه الكفارة، إلا إن عجز عنه عجزا كاملا.
وينظر لمعرفة أنواع النذر: جواب السؤال رقم: (2587).
والله أعلم.