0 / 0
4422/ذو الحجة/1446 الموافق 18/يونيو/2025

ما توجيه قراءة (علمت) بضم وفتح التاء في قوله تعالى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ بَصَآئِرَ )؟

السؤال: 556555

قال الله تعالى: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّى لَأَظُنُّكَ يَـٰفِرْعَوْنُ مَثْبُورًۭا) الإسراء/ 102، هنا طريقة مختلفة للقراءة، في قراءة الكسائي تتغير كلمة "عَلِمتَ" إلى الضمة "علمتُ"، فأيهما الصحيح؟
موسى عليه السلام هو الذي يُنقل عنه الكلام، لذا لا يمكن أن يكون قد قال إلا إحداهما، بالنظر إلى الاختلافات في القراءة بين هاتين القراءتين، كيف يفسر العلماء الاختلافات في هذه الآية؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً:

كلا القراءتين صحيحة، وكلتهما من القراءات المتواترة؛ ففي "متن الشاطبية = حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع" (ص: 66):

وَقُلْ قَالَ اْلاُولَى كَيْفَ دَارَ وَضُمَّ تَا ... عَلِمْتَ رِضىً وَالْيَاءُ فِي رَبِّيَ انْجَلَا

وفي "المبسوط في القراءات العشر" (ص: 272):

"قرأ الكسائي وحده قَالَ لَقَدْ عَلِمْتُ مَا أَنْزَلَ بضم التاء. وقرأ الباقون لَقَدْ عَلِمْتَ بفتح التاء" انتهى .

ثانياً: تقدم في فتوى رقم: (395192) أن اختلاف القراءات القرآنية، يقع على وجوه، منها: اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً، مع امتناع اجتماعهما، في شيء واحد، كهاتين القراءتين .

وليس بين القراءتين تعارض، بل هما معا من بلاغة القرآن في الاختصار؛ فقد حكى حالين في جملة واحدة.

الحال الأولى: أن فرعون قال لموسى عليه السلام: إن آياتك التي جئت بها سحر، فردّ عليه موسى عليه السلام: لقد علمتُ أنا-أي تيقنت- أنه ليس بسحر، وعلمتُ أنه ما أنزل هذه الآيات والمعجزات التسع إلا رب السماوات والأرض لتكون دلالة يستدل بها أولو البصائر.

الحال الثانية: أن فرعون قال لموسى عليه السلام مرة أخرى: إن آياتك التي جئت بها سحر، فرد عليه موسى عليه السلام: لقد علمتَ أنت أيضاً ما هي سحر، وما هي إلا بصائر. كما يفسره قول الله تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل/ 13، 14].

قال الإمام أبو بكر ابن الباقلاني، رحمه الله، في بيان وجوه اختلاف القراءات:

"والوجه السابع: أن يكون الاختلاف بين القراءتين للاختلاف في الإعراب للكلمة وحركات بنائها، بما يُغيّر معناها ولا يزيلها عن صورتها في الكتاب ...". ثم ذكر أمثلة لذلك، قال:

"وكذلك قوله: لَقَدْ ‌عَلِمْتَ ‌مَا ‌أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ ، لأن فرعون قال لموسى: إنَّ ما أتيتَ به السحرُ والتخييل، فقال موسى مُخبراً عن نفسه: إنني ما أتيتُ إلا بآيات وبصائر. وقال أيضاً لفرعونَ، مرةَ أخرى: لقد علمتَ أنت أيضًا، أن ما جئتُ به بصائرَ وآيات، ليست بسحر، فحكى الله تعالى الأمرين جميعا. وهما صحيحان، يأتيان غيرَ متضادين ولا متنافيين. وكذلك كلّ ما وردَ من هذا الضرب. انتهى، "من الانتصار للقرآن للباقلاني" (1/ 389).

هذا؛ ومع صحة القراءتين، وثبوت نقلهما بالتواتر، جميعا؛ فإن الذي اختاره عامة أهل العلم منهما: قراءة الجمهور، بفتح التاء من علمت، على قراءة الكسائي، بضمها.

قال الإمام أبو الحسن الواحدي، رحمه الله:

"وقراءة العامة: بفتح التاء. وقرأ الكسائي: علمتُ، بضم التاء.

والاختيار عند الجميع: فتح التاء، وهو قراءة ابن عباس. وضم التاء: قراءة علي رضي الله عنه. وكان يقول: والله ما عَلِمَ عدو الله، ولكن موسى هو الذي عَلِم!!

فبلغ ذلك ابن عباس، فاحتج بقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل: 14]، على أن فرعون وقومه كانوا قد عرفوا صحة أمر موسى.

وقال الزجاج: الأجود في القراءة فتح التاء؛ لأن عِلم فرعونَ بأنها آيات من عند الله، أوكد في الحجة؛ فموسى يحتج عليه بما علم هو؛ لا بما علم موسى.

وأما من ضم التاء: فحجته ما ذكرنا عن علي.

فإن قيل [يعني: على قراءة الكسائي]: كيف يصح الاحتجاج عليه بعلمه، وعلمه لا يكون حجة على فرعون؟

فالجواب: أنه لما قيل له: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء: 27]، قال موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ، فكأنه نفى ذلك، وقال: لقد علمتُ صحةَ ما أَتَيْتُ به علمًا صحيحاً؛ علم العقلاء". انتهى، من "التفسير البسيط" (13/496).

وقال العلامة الطاهر ابن عاشور، رحمه الله:

" وإنما أيقن موسى بأن فرعون قد علم بذلك: إما بوحي من الله أعلمه به، وإما برأي مصيب، لأن حصول العلم عند قيام البرهان الضروري حصول عقلي طبيعي لا يتخلف عن عقل سليم.

وقرأ الكسائي وحده لقد علمت- بضم التاء-، أي أن تلك الآيات ليست بسحر كما زعمت كناية على أنه واثق من نفسه السلامة من السحر.»

"تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير" (15/ 227).

وينظر: "معاني القراءات" للأزهري (2/ 102)، "جامع البيان في القراءات السبع" (1/122)، "الهادي شرح طيبة النشر في القراءات العشر: (2/379) ، :الجوانب الصوتية في كتب الاحتجاج للقراءات: (ص: 17)، :مختصر العبارات لمعجم مصطلحات القراءات: (ص: 14).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
ما توجيه قراءة (علمت) بضم وفتح التاء في قوله تعالى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ بَصَآئِرَ )؟ - الإسلام سؤال وجواب