أولا:
سبق بيان حكم الدروب شيبنج وأنه يجوز بعدة صور: السلم، والمرابحة، والوكالة عن الزبون، والوكالة عن البائع، وينظر: جواب السؤال رقم: (334744).
وصورة الوكالة عن البائع: أن تتفق مع البائع على عرض منتجاته على موقعك، وبيعها بثمن معين، وأن ما بيع عن طريقك، فلك عليه عمولة معلومة.
أو أن تتفقا على أن تبيع المنتج بعشرة مثلا، وما زاد فهو لك، فيجوز لك حينئذ أن تعرض السلعة بما تراه من الثمن، فإذا بيعت، أعطيتَه العشرة، وأخذت ما زاد على ذلك.
وهذه الصورة الأخيرة فيها خلاف، وقد أجازها أحمد وإسحاق رحمهما الله، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وجعلوا ذلك شبيها بالمضاربة.
قال البخاري رحمه الله في صحيحه: " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا قَالَ: بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ، أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ " انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/ 86): " إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة، فما زاد عليها فهو لك: صح، واستحق الزيادة. وقال الشافعي: لا يصح.
ولنا: أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا، ولأنه يتصرف في ماله بإذنه، فصح شرط الربح له في الثاني، كالمضارب والعامل في المساقاة " انتهى.
ثانيا:
لا يشترط في هذه الصورة أن تكون مالكا للسلعة؛ لأنك وكيل، ولست بائعا.
كما لا يشترط أن تقبض السلعة قبل شحنها للزبون، بل تطلب من البائع شحنها مباشرة إليه؛ لأنك وكيل، فلا تدخل في حديث: إِذَا اشْتَرَيْتَ مَبِيعاً فَلا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ رواه أحمد (15316)، والنسائي (613).
ويشترط أن يكون البائع، أو ما أسميته الموزع، مالكا للسلعة. فإن لم يكن مالكا للسلعة، فله أن يبيع بصيغة بيع السلم، أو الاستصناع، إن كان سيصنع السلعة، ولك أن تكون وكيلا عنه في ذلك، وأن تستلم الثمن عند العقد في صورة عقد السلم.
ثالثا:
أما الثمن، فهل يشترط أن يدفعه المشتري عند العقد، أم يجوز تأخيره أو تقسيطه؟
فهذا بحسب طريقة بيع البائع، وفي ذلك تفصيل:
1-فإن كان البيع سيتم عند وصول السلعة للمشتري، فإن المشتري يدفع الثمن حينئذ، وهذا بيّن.
2-وإن كانت السلعة معينة عند البائع، وليست سلعة من جملة سلع مماثلة، فيجوز أن يتم البيع بالوصف عن طريق الإنترنت، مع تأجيل الثمن أو تعجيله.
3-وإن كانت السلعة غير معينة، بل هي سلعة من جملة سلعة مماثلة، فيشترط دفع الثمن عند العقد، كالسلم.
وفي بيان الفرق بين السلعة المعينة وغير المعينة-وكلاهما يباع بالوصف-، قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (3/ 163):
"البيع بالصفة (نوعان: أحدهما بيع عين معينة، سواء كانت العين المعينة غائبة، مثل أن يقول: بعتك عبدي التركي، ويذكر صفاته) التي تضبط، (أو) كانت العين المبيعة بالصفة (حاضرة مستورة، كجارية منتقبة، وأمتعة في ظروفها، أو نحو ذلك: فهذا) النوع (يجوز التفرق) من متبايعيه (قبل قبض الثمن، وقبل قبض المبيع، كحاضرٍ) بالمجلس.
(و) النوع (الثاني) من نوعي البيع بالصفة (بيع موصوف غير معين، ويصفه بصفة تكفي في السلم، إن صح السلم فيه)؛ بأن انضبطت صفاته (مثل أن يقول: بعتك عبدا تركيا، ثم يستقصي صفات السلم فيه: فهذا في معنى السلم)، وليس سلمًا، لحلوله ... (ويشترط في هذا النوع قبض المبيع، أو قبض ثمنه في مجلس العقد)؛ لأنه في معنى السلم" انتهى.
وعليك أنت-الوكيل- أن تراعي ذلك، وألا تتوسط في بيع يكون بطريقة محرمة، كأن تكون السلعة غير معينة، ويتم البيع عبر الإنترنت مع عدم دفع الثمن عند العقد.
والله أعلم.