ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في دعاء القنوت في الصلاة.
روى الإمام أحمد في "المسند" (19/393)، قال: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَعَفَّانُ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - في قصة قتل القراء من الصحابة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من قتلهم - : " فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ".
قال محققو "المسند" (19/395): " إسناده صحيح على شرط مسلم " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وهذا إسناد صحيح. رجاله كلهم ثقات؛ رجال الشيخين والأربعة " انتهى. "أصل صفة صلاة" (3/957).
وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:
"... ما خرجه مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الرحمن بن سمرة، قال: " كُنْتُ أَرْتَمِي بِأَسْهُمٍ لِي بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاةِ النبي صلى الله عليه وسلم،إِذْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَنَبَذْتُهَا، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا حَدَثَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ، رَافِعٌ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو ، حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا، فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا، قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ".
ويستدل بهذا القول من قال: إنه يرفع يديه في القنوت في الصلاة، وهو قول النخعي والثوري وأحمد وإسحاق ومالك والأوزاعي – في رواية عنهما.
وهو الصحيح عند أكثر أصحاب الشافعي …" انتهى "فتح الباري" (9/ 366—367).
والمأموم في حال جهر الإمام بالقنوت: يشرع له أيضا رفع اليدين؛ لتمام الاتباع للإمام؛ ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري (631).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" فجميع الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من فعله وقوله وتعليمه وإرشاده: داخل في قوله: ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) وهو مأمور به، أمر إيجاب أو استحباب بحسب الدلالة " انتهى. "بهجة قلوب الأبرار" (1/61).
ولأن المأموم يشرع له التأمين.
روى الإمام أحمد في "المسند" (4/475)، وأبو داود (1443): عن ثَابِت بْن يَزِيدَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ".
وصحح إسناده محققو المسند.
والتأمين دعاء.
قال ابن أبي حاتم في "التفسير" (6/1980):
" حدثنا أبو سعد الأَشَجُّ، حدثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ( قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا )، قَالَ: " دَعَا مُوسَى، وَأمَّنَ هَارُونُ ". وَرُوِيَ عن أبي صالح مثله، وَرُوِي عن عكرمة ومحمّد بن كعب القرظيّ والرّبيع بن أنس نحو ذَلك " انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" المؤَمِّنَ داع، قال تعالى: ( قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ) [يونس: 89]، وكان هارون مُؤَمِّنًّا " انتهى. "بدائع الفوائد" (4/1503).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
"وآمين من أسماء الأفعال ... ومعناها: اللهم استجب عند الجمهور، وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى " انتهى. "فتح الباري" (2/262).
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" إذا أخذ الإِمام في القنوت، أَمَّنَ من خلفه. لا نعلم فيه خلافا. وقاله إسحاق.
وقال القاضي: وإن دعوا معه فلا بأس. وقيل لأحمد: إذا لم أسمع قنوت الإِمام أدعو؟ قال: نعم.
فيرفع يديه في حال القنوت …" انتهى. "المغني" (2/584).
وجاء في "شرح المنتهى" لابن النجار (2/ 258 - 260):
" ( فيرفع يديه إلى صدره، يبسطهما، وبطونهما نحو السماء ولو ) كان (مأموماً)؛ لما روي عَنْ سَلْمَانَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِنَّ اللهَ يَسْتَحِي أَنْ يَبْسُطَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ يَسْأَلُهُ فِيهِمِا خَيْرًا، فَيَرُدَّهُمَا خَائِبَتَيْنِ ) . رواه الخمسة إلا النسائي. وعن مالك بن يسار السَّكُونِىَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا ) رواه أبو داود.
وهذا عام في الصلاة وغيرها...
ولأنه دعاء مسنون في حال القيام فسن له بسط اليدين مرفوعتين؛ كالدعاء بعرفات، وفوق الصفا والمروة " انتهى.
الخلاصة:
يشرع للمأموم في دعاء القنوت أن يرفع يديه ويؤمّن، وعدم وجود نص صريح بخصوص رفع المأموم ليديه لا يعني هذا عدم مشروعيته؛ لأنه كما لم يأت نص به لم يأت أيضا نص ينهى عنه، والأمور المسكوت عنها في السنة، هناك سبل لمعرفة حكمها، منها إلحاق النظير بالنظير.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
" فإذا نصّ الشّارع على حكم في شيء لمعنى من المعاني، وكان ذلك المعنى موجودا في غيره، فإنّه يتعدّى الحكم إلى كل ما وجد في ذلك المعنى عند جمهور العلماء، وهو من باب العدل والميزان الذي أنزله الله، وأمر بالاعتبار به" انتهى "جامع العلوم والحكم" (2 / 165).
فكما شرع للإمام رفع يديه للدعاء في القنوت، يشرع للمأموم أيضا لأنه داع أيضا بتأمينه؛ فهو شريكه في الدعاء ومؤتم به، فيتابعه في رفع اليدين.
وما يقال في القنوت يقال في الأماكن التي يشرع فيها الدعاء جماعة ويشرع للداعي رفع يديه.
وللفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (156400)، (8594).
والله أعلم.