أولًا:
نور السماوات والأرض، صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، وقد عدّه بعضهم من أسماء الله تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ النور/35.
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
حديثُ عبد الله بن عباس رضي اللهُ عنهما مرفوعاً في صلاة التهجد: اللهمَّ لك الحمدُ؛ أنتَ نورُ السَّمَواتِ والأرضِ، ... رواه البخاري (6317)، ومسلم (769).
انظر: "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" لعلوي السقاف (ص: 356).
عامة العلماء يثبتون اسم النور لله تعالى ويستدلون بقول الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (النور: من الآية35)، على اختلاف هل هو من الأسماء المفردة، أم المضافة .
وورد في حديث الوليد بن مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن... الحديث وعدّ تسعا وتسعين اسماً، الترمذي (3507). انظر كلام العلماء على الحديث: (459050).
قال د. محمد خليفة التميمي: "وقد ورد في طريق الوليد بن مسلم، وفي طريق عبد الملك بن محمَّد الصَّنعانيِّ، وطريق عبد العزيز بن الحصين الترجمان، وقد ذكر اسم النور جمع، منهم: 1- سفيان ابن عيينة. 2- الخطَّابيِّ. 3- ابن منده. 4- الحليميِّ. 5- البَيْهَقِيِّ. 6- الأصبهانيِّ. 7- ابنِ العربيِّ. 8- القُرطُبيِّ. 9- ابنِ القيِّم. 15- ابن الوزير. 11- ابن حجر. 12- السعديِّ. 13- القحطانيِّ. 14- الحمود. 15- الشَّرباصيِّ. 16- نور الحسن خان".
معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى (ص: 185).
وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته (الكافية الشافية) (ص: 212):
وَالنُّورُ مِنْ أسْمائِهِ أيْضاً وَمِنْ ... أَوْصَافِهِ سُبْحَانَ ذِي البُرْهَانِ
قال د. الهرَّاس رحمه الله في "شرح القصيدة النونية" (2/ 115):
"ومن أسمائه سبحانه (النور) وهو أيضا صفة من صفاته، فيقال اللّه نور فيكون اسما مخبرا به على تأويله بالمشتق، ويقال ذو نور، فيكون صفة، قال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ [النور: 35] وقال: وأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر: 69]..."اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله: "والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين:
إضافة صفةٍ إلى موصوفها، وإضافة مفعولٍ إلى فاعله.
فالأول: كقوله تعالى: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ... [الزمر: 69]" انتهى من "اجتماع الجيوش الإسلامية" ط عالم الفوائد (1/ 19).
وقال رحمه الله: "إن النص قد ورد بتسمية الرب نورا، وبأن له نورا مضافا إليه، وبأنه نور السماوات والأرض، وبأن حجابه نور، هذه أربعة أنواع، فالأول يقال عليه سبحانه بالإطلاق، فإنه النور الهادي، والثاني يضاف إليه كما يضاف إليه حياته وسمعه وبصره وعزته وقدرته وعلمه" انتهى "مختصر الصواعق المرسلة" (ص: 423).
وإذا كان من النور نورا مخلوقا، وبعض الخلائق تسمى نورا، فإن ذلك لا يمنع أن يكون الله جل جلاله نورا على الحقيقة، ولا أنه يسمى "نورا"، سبحانه، وجل في علاه.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله : " وكل من فهم عن الله خطابه يعلم أن هذه الأسامي ، التي هي لله تعالى أسامي ... قد أوقع تلك الأسامي على بعض المخلوقين ، ليس على معنى تشبيه المخلوق بالخالق ، لأن الأسامي قد تتفق وتختلف المعاني ؛ فالنور وإن كان اسمًا لله ، فقد يقع اسم النور على بعض المخلوقين ، فليس معنى النور الذي هو اسم لله في المعنى مثل النور الذي هو خلق الله ..." انتهى من "التوحيد لابن خزيمة" (1/56).
ثانيًا:
ظاهر صنيع الأئمة أن الاسم هو (النور) فقط. ثم ذكر معه السموات والأرض، على سبيل الإضافة إليه؛ فهو سبحانه: منور السموات والأرض بنوره، كما هو الهادي للخلائق بهداه.
ومن ذلك: أن الإمام النسائي في "السنن الكبرى" (7/ 123) قال: "قول الله جل ثناؤه ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 180]، ذكر أسماء الله تعالى وتبارك" ثم سرد الأسماء، وبوّب رحمه الله بقوله (النور) ثم أورد حديث " ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تهجد بالليل قال اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض"( 7703).
وكذلك هو ظاهر صنيع الإمام ابن منده رحمه الله: "وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: النُّورُ النَّاصِرُ وَالنَّذِيرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور: 35]"اهـ فلم يقل من أسمائه نور السماوات والأرض. "التوحيد" لابن منده (2/194).
وقد جعل الحافظ ابن حجر رحمه الله النور اسماً من أسماء الله تعالى، الثابت في القرآن، لكن جاء مضافاً؛ حيث قال: "وقد تتبعت ما بقي من الأسماء مما ورد في القرآن بصيغة الاسم مما لم يذكر في رواية الترمذي وهي الرب الإله المحيط القدير الكافي الشاكر الشديد القائم الحاكم الفاطر الغافر القاهر المولى النصير الغالب الخالق الرفيع المليك الكفيل الخلاق الأكرم الأعلى المبين بالموحدة الحفي بالحاء المهملة والفاء القريب الأحد الحافظ = فهذه سبعة وعشرون اسما إذا انضمت إلى الأسماء التي وقعت في رواية الترمذي مما وقعت في القرآن بصيغة الاسم، تكمل بها التسعة والتسعون.
وكلها في القرآن، لكن بعضها بإضافة، كالشديد من شديد العقاب والرفيع من رفيع الدرجات والقائم من قوله قائم على كل نفس بما كسبت والفاطر من فاطر السماوات والقاهر ...
وقد وقع نحو ذلك من الأسماء التي في رواية الترمذي، وهي: المحي، من قوله: (لَمحيي الموتى)، والمالك من قوله: (مالك الملك)، والنور من قوله: (نور السماوات والأرض)، والبديع من قوله: (بديع السماوات والأرض)..." انتهى من "فتح الباري" لابن حجر (11/ 218).
وكلام الإمام ابن تيمية رحمه الله يفهم منه أن اسم (النور) من الأسماء المضافة إلى الله عز وجل. قال رحمه الله: "النص في كتاب الله وسنة رسوله، قد سمى الله نور السموات والأرض، وقد أخبر النص أن الله نور، وأخبر أيضاً: أنه يحتجب بالنور" انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/386).
وقال أيضا: "فالذي في القرآن والحديث الصحيح إضافة النور كقوله: الله نور السماوات والأرض" "مجموع الفتاوى" (6/ 383).
وينظر للفائدة : "مجموع الفتاوى" (6/374-396).
والله اعلم.